سورة الزمر - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37)} [الزمر: 39/ 32- 37].
من أقبح خصال المشركين: أنهم يكذبون اللّه ورسوله، فلا أحد أظلم ممن كذب على الله، فزعم أن له ولدا أو شريكا، أو صاحبة، وحرّم وحلل من غير أمر الله، وكذّب بما جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من دعوة الناس إلى التوحيد، والأمر بإقامة فرائض الشرع، والنهي عن المحرّمات، والإخبار بالبعث والنشور والحساب والجزاء.
وهؤلاء في الواقع يستحقون أشد العذاب، أليس في نار جهنم الواسعة مقام ومستقر لهؤلاء الكافرين؟! وفيه دلالة على علة كذبهم وتكذيبهم، وهو الكفر.
وفي مقابل هذا الوعيد: يأتي الوعد للمؤمنين، فالذي جاء بالصدق والقول الحق: وهو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والذين صدقوا به، وآمنوا بأنه رسول من عند الله، وهم أتباعه المؤمنون، أولئك لا غيرهم هم الذين اتقوا اللّه وخافوه، وتجنبوا الشرك وعبادة الأوثان.
وثواب هؤلاء الصادقين المصدقين: أن لهم ما يطلبون عند ربهم في جنان الخلد، من رفع الدرجات، ودفع الضرر، وتكفير السيئات، وذلك جزاء الذين أحسنوا في أعمالهم.
قال على بن أبي طالب رضي اللّه عنه وجماعة: الذي جاء بالصدق هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، والذي صدّق به: هو أبو بكر رضي اللّه عنه.
وقال قتادة وابن زيد، الذي جاء بالصدق: هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، والذي صدّق به هم المؤمنون.
وقال مجاهد: هم أهل القرآن.
وعلة هذا الجزاء: تكفير السيئات، والمجازاة بأحسن أفعالهم، أي وعدهم الله تعالى بالجنان ونعمها من أجل تكفير سيئ عملهم، وإثابتهم بمحاسن أعمالهم، وإذا غفر اللّه لهم أسوأ أعمالهم، غفر لهم ما دونه بطريق أولى. والحسن الذي يعملونه:
هو الأحسن عند اللّه تعالى.
وكذلك يكفي اللّه المؤمنين في الدنيا ما أهمهم، ويمنع عنهم ما يخيفهم، أليس الله يكفي من عبده وتوكل عليه؟ فيدفع عنه الويلات والمصائب، ويحقق له جميع رغائبه.
والمراد بعبده: النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وجميع عباد الله. وهذا تقوية لنفس النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، لأن كفار قريش كانوا خوّفوه من الأصنام، وقالوا: أنت تسبّها وتخاف أن تصيبك بجنون أو علة، فنزلت الآية في ذلك. أي إن المشركين يخوّفونك أيها النبي بالذي يعبدون من دون الله.
وروي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث خالد بن الوليد إلى كسر صنم العزّى، فقال سادنها: يا خالد، إني أخاف عليك منها، فلها قوّة لا يقوم لها شيء، فأخذ خالد الفأس، فهشم به وجهها وانصرف.
ثم قرر اللّه تعالى: أن الهداية والإضلال من عنده بالخلق والاختراع، وأن ما أراد من ذلك لا رادّ له، ثم توعد اللّه المشركين بعزته وانتقامه، فكان ذلك والانتقام يوم بدر وما بعده.
أي إن من حقّ عليه القضاء بضلاله لسوئه وعناده ومكابرته، ماله من هاد يهديه إلى الرشد، ويخرجه من الضلالة، ومن يوفقه اللّه إلى السعادة والإيمان لاستعداده لهما، فلا مضل له أبدا. أليس اللّه بغالب لكل شيء، قاهر له، ينتقم من عصاته بعذاب شديد؟ فهو سبحانه منيع الجانب، قوي البطش، شديد الانتقام من أعدائه المشركين المكذبين رسوله وأمينه عليه الصلاة والسّلام.
مناقشة عبدة الأصنام:
الإسلام دعوة الإصلاح الكبرى الشاملة لجميع أبناء البشر، لذا كان حريصا بصراحته ورحمته واعتماده على العقل الحر والمنطق الرشيد، هداية الناس جميعا حتى الوثنيين البدائيين إلى الدين الحق والعقيدة الصحيحة القائمة على توحيد اللّه عز وجل، وإبطال عبادة كل ما لا خير فيه ولا نفع، ولا دليل من الواقع عليه، واعتمد القرآن الكريم في مناقشة عبدة الأصنام على أساسين واضحين:
الأول- أن المشركين لو سئلوا عن خالق السماوات والأرض لأقروا بأنه الله تعالى.
الثاني- أن أصنامهم التي يعبدونها عاجزة عن تحقيق الخير أو دفع الشر.
روي عن مقاتل: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سألهم، فسكتوا، فنزل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
وقال بعض المشركين: لا تدفع هذه الأصنام شيئا قدّره الله، ولكنها تشفع، فنزلت هذه الآيات الآتية:


{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (40)} [الزمر: 39/ 38- 40].
هذا ابتداء احتجاج على المشركين بحجة حاسمة، مفادها أن القرآن الكريم انتزع منهم الإقرار بالخالق المخترع الموجد: وهو اللّه عز وجل، وحينئذ لم يبق لهم في الأصنام غرض إلا أن يقولوا: إنها تضر وتنفع.
فقيل لهم: إذا أراد اللّه أمرا، هل للأصنام قدرة على نقضه؟
والجواب واضح: وهو أنه لا قدرة للأصنام على شيء من ذلك.
وتقرير الأمرين أو الأصلين يتبين في معنى هذه الآيات.
لئن سألت أيها النبي أو أي إنسان المشركين عن خالق السماوات والأرض، لأقروا على الفور وبصراحة: بأنه هو اللّه الخالق، مع أنهم يعبدون الأصنام.
فإذا أقررتم بأن اللّه تعالى خلق الأشياء كلها، فأخبروني عن هذه الآلهة المزعومة:
إن أراد اللّه بأحد شيئا من الضّر، أي الشدة والبلاء، هل تستطيع هذه الأصنام أن تمنع ما أراده اللّه من شدة، وإن أراد اللّه بأحد منحه شيئا من الخير والنعمة والفضل والإحسان، هل تقدر هذه الأصنام حجب رحمة اللّه عنه؟ وإذا كانت لا تمنع شرا، ولا تجلب نفعا، فكيف تجوز عبادتها وتعظيمها؟! ثم أمر اللّه تعالى نبيه أن يصدع بالاتكال على اللّه تعالى، وأنه حسبه وكافيه من كل شيء ومن كل ناصر، وأنه هو وحده لا غيره الذي يجب أن يتوكل عليه المتوكلون، ويفوض إليه جميع الأمور المؤمنون، ويلجأ إلى الاستعانة به كل البشر أجمعون.
ثم أمر اللّه نبيه بأن يتوعد المشركين في قوله: {اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ} أي: قل أيها النبي: يا قوم، اعملوا ما شئتم، وافعلوا ما أنتم عليه من هذه الحال والطريقة التي أنتم عليها، من معاداة رسالتي، والاعتماد على القوة والشدة والثروة، واجتهدوا في استعمال مختلف أنواع المكر والكيد، فإني على حالتي ومنهجي وطريقتي التي أدعو بها إلى توحيد الله، ونشر دينه في الآفاق، ولدى جميع الناس، فسوف تعلمون وبال ذلك وعاقبته الوخيمة، وتأملوا فيمن سيأتيه عذاب يذله ويهينه في الدنيا، بعد تفاخره وعناده واستكباره، فيظهر حينئذ المبطل من المحق، وسيتعرض لعذاب دائم مستمر، لا محيد عنه في الآخرة: وهو عذاب النار يوم القيامة.
وقوله سبحانه: {اعْمَلُوا} لفظ أمر بمعنى الوعيد والتهديد، والعذاب المخزي:
هو عذاب الدنيا يوم بدر وغيره من الهزائم المنكرة التي تلحق بالمشركين، والعذاب المقيم: هو عذاب الآخرة.
إن النظرة العاجلة السريعة التي يتبين خطؤها عما قريب: هي التي تحمل أهل الشرك والكفر والضلال على البقاء على ما هم عليه، وإن النظرة المتأنية المعتمدة على المنطق السديد والعقل الرشيد هي التي تغيّر المواقف، وتحوّل أصحاب العقول السوية من طريق الغواية والانحراف إلى طريق الرشاد والاستقامة.
مظاهر القدرة الإلهية والوحدانية:
مظاهر وحدانية اللّه تعالى وسلطانه ومقدرته الفائقة تتعدد في الكون والإنسان والحياة وما بعد الممات في عالم الآخرة، وأول المظاهر الكبرى للوحدانية والقدرة الإلهية: إنزال القرآن الكريم على النبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وبيان علو مكانته واصطفاء ربه عز وجل له، ثم الاعلام بقدرة اللّه على قبض الأرواح بانتهاء آجالها، وملكه الشفاعة التي لا تتم إلا بأمره وإذنه. وهناك مظاهر ثلاثة متممة أخرى، وهي كون اللّه مبدع السماوات والأرض، واتصافه بعلم الغيب والشهادة، علم الآخرة والدنيا المشاهدة، وإظهار أنواع من العقاب غير معروفة ولا محسوبة، وبيان آثار السيئات والمعاصي التي يرتكبها الناس، قال اللّه تعالى مبينا ذلك:


{إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48)} [الزمر: 39/ 41- 48].
المعنى: يقرر اللّه تعالى أنه أنزل القرآن الكريم بالحق، أي متضمنا الحق في أخباره وأحكامه، أو أنزله بالواجب من إنزاله وبالاستحقاق لذلك، لما فيه من مصلحة العالم وهداية الناس. وهذا بيان لإقامة الحجة على العباد، ولم يبق إلا اختيارهم وإقدامهم على الأخذ به، فمن عرف الحق وسلك طريقه واتبعه، فاهتداؤه ومعرفته لخير نفسه، ومن حاد عن الحق وتنكر له، فضلاله على نفسه، ووباله على ذاته، وما أنت أيها الرسول بموكل على الناس أن يهتدوا ولا يمكنك حملهم على جادة الهداية، وإنما عليك إبلاغ الرسالة. ومن المعلوم أن إنزال القرآن هو أول مظاهر قدرة الله وفضله وتوحيده.
والمظهر الثاني: أن اللّه تعالى هو الحاكم المطلق على الناس بالموت، فهو الذي يقبض الأرواح من طريق الملائكة حين انتهاء آجال أصحابها، وهي الوفاة الكبرى، فيمسك تلك الأرواح، أي لا يردها إلى الجسد الذي كانت فيه، ويرسل روح النفس الأخرى التي نامت إلى أجسادها حين اليقظة، بأن يعيد إليها إحساسها، ويبقيها على قيد الحياة، إلى أجل معين: هو وقت الموت. إن في ذلك التوفي التام، وإرسال الروح مرة أخرى لعلامات باهرة على قدرة اللّه ووحدانية، من قوم يتفكرون ويتأملون في ذلك. أما الروح فلا يعلم حقيقتها إلا الله، ولا سلطان عليها لأحد غير الله، لا بتحضير الأرواح أو التنويم المغناطيسي ولا بغير ذلك: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 17/ 85].
بل اتخذ المشركون من دون اللّه آلهة شفعاء تشفع لهم عند الله؟ لا ينبغي لهم ذلك، وقل لهم أيها النبي للرد عليهم: كيف تتخذون تلك الأصنام شفعاء لكم، وهم لا يملكون شفاعة ولا غيرها، ولا يعقلون شيئا من شفاعة ولا غيرها، ولا تدرك تلك الأصنام شفعاء لكم، وهم لا يملكون شفاعة ولا غيرها، ولا يعقلون شيئا من شفاعة ولا غيرها، ولا تدرك تلك الأصنام أن الناس يعبدونها. وقل أيضا يا نبي الله: إن اللّه تعالى هو مالك جميع أنواع الشفاعة، وليس لأحد منها شيء فالله هو مالك جميع السماوات والأرض وكل ما يحدث فيهما، ثم إليه مصائر جميع الناس بعد البعث، فيحاسبهم على جميع أعمالهم، وفي هذا تهديد ووعيد لمن يعتمد على غير اللّه في أي شيء.
ومن قبائح المشركين: إذا ذكر اللّه وحده، وأنه لا إله سواه، انقبضوا وانزعجوا، لأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر، وإذا ذكرت الأصنام كاللات والعزى، إذا هم يفرحون ويسرّون.
قال مجاهد: نزلت هذه الآية في قراءة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سورة النجم عند الكعبة، وفرحهم عند ذكره الآلهة، أي عند قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)} [النجم: 53/ 19].
ثم رد اللّه تعالى عليهم بقوله: ادع اللّه أيها النبي فقل: يا خالق السماوات والأرض، ويا عالم الغيب والشهادة (ما غاب عن البشر وما شاهدوه) أنت تحكم بين عبادك في كل ما اختلفوا فيه. وهذا دليل على العلم التام للّه عز وجل.
ثم توعد اللّه المشركين بأمور ثلاثة:
أولها: لو أن هؤلاء المشركين ملكوا جميع خزائن الأرض ومثلها معها، لجعلوا الكل فدية لأنفسهم من ذلك العذاب يوم القيامة.
وثانيها: وظهر لهم من أنواع العقاب والعذاب المهيأ لهم ما لم يكن في حسابهم ولا خطر في بالهم.
وثالثها: وظهر لهم جزاء وأثر سيئاتهم التي اكتسبوها في الدنيا، وأحاط بهم من العذاب ما كانوا يستهزئون به في دار الدنيا، ومن إنذارات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
سوء الطبع عند الإنسان:
من قبائح طبائع المشركين والكافرين: تنكرهم للنعمة الإلهية حال الرخاء، ولجوؤهم إلى اللّه تعالى حين الشدة والبلاء، زاعمين بأن الإنقاذ والنعمة يحدثان بمهارتهم وجهدهم، مع أن اللّه تعالى وحده هو مصدر الخير والنعمة والرزق، وليس جمع الثروة بمهارة الإنسان وفطنته وخبرته، ولا ضعفها ولا قلتها بغبائه وخموله، وإنما أمر الرزق بيد اللّه تعالى بشرط السعي والعمل، فقد يكون الجهد الكثير، ولا يحصل سوى الرزق القليل، وقد يكون العجز والضعف، ويسوق اللّه الرزق الوفير لصاحبه، على وفق مراد اللّه تعالى وحكمته، وهذا ما دوّنته الآيات الآتية:

1 | 2 | 3 | 4 | 5